تواصل شعبة اللغات بالمدرسة العليا للأساتذة التابعة لجامعة عبد المالك السعدي بتطوان موسهما الثقافي بتخصيص نصفه الأول للاحتفاء بمتخيل المرأة عبر حلقة جديدة استقبلت فيها الكاتبة المغربية وفاء مليح، وذلك ضمن سلسلتها"تجارب إبداعية"الحلقة الثاني والعشرون بمشاركة الباحث المعتمد الخراز بورقة وسمها ب"وفاء مليح: الكاتبة الثائرة" أكد فيها على أن القاصة والروائية وفاء مليح "استطاعت منذ خطواتها القصصية الأولى، أن تثير نقع النقد، لجرأتها على افتضاض بكارة المسكوت عنه، بأدب مكشوف، صريح وحر: إنه العنف والألم والقهر والإقصاء والنفي.. الذي تتعرض له المرأة وجسدها. لذلك فإن قضية المرأة مثلت القضية المركزية في كتاباتها"معتبراً أن موقف القاصة وفاء مليح من الرجل عبرت عنه في أعمالها السردية ومقالاتها الأدبية ـ انطلاقا من كونه يوحي بأننا أمام تصفية حسابات أو موقف عدائي من الرجل، إنما هو موقف يأتي ضمن قضية كبرى تشغلها، إنها قضية الثورة وتحرير المجتمع، التي لن تتحقق إلا بتحرر المرأة وجسدها، لذلك فهي تعلن ثورتها على كل شيء، فهي تثور على الذاكرة الذكورية، واللغة، والمثقف التبعي، والوضع السياسي والحزبي، والتربية الجنسية الموروثة...في هذا السياق تأتي ثورة وفاء مليح على الرجل، إنها ثورة –يضيف المعتمد-على الظلم واللامساواة والاستغلال والإقصاء، لينتهي في قراءته إلى الحضور الرمزي للرجل في مجموعة من العتبات النصية (الإهداء، الشكر، التصدير، كلمة الغلاف..)، بالإضافة إلى وجود هيمنة واضحة في إحالاتها على نصوص الكتاب والشعراء والنقاد.. في حين كان حظ الكاتبات ضئيل، وهو حضور يؤكد أن الكاتبة تثور على نموذج الرجل الألوسي (نسبة إلى نعمان أبي ثناء الألوسي). أما مداخلة القاصة والروائية وفاء مليح فقد اختارت لها عنواناً يتضمن سؤالاً "كيف أدرأ موتي؟" نافية أن تكون في هذا المقام تتحدث عن موتها الفيزيولوجي، بل تتحدث عن موتها كجنس أنثوي يبدع. مؤكدة أن سؤال "كيف إذن أدرأ هذا الموت؟؟" ظل يرافقها منذ تفتح وعيها على الحياة، واكتشافها طريق الحرف تاركة نفسها لغوايته. فكانت الكتابة إذن وكان الإبداع –تضيف وفاء مليح- جعلت من نفسي ذاتا للانكتاب والتدوين وجعلت الخيال والحلم سبيلا إلى غرس الذات الأنثوية في نصي المكتوب. تسللت إلى العراء لأمنح للحرف روحي وجسدي. مارست الحب أمام الملأ. وجدت في الكتابة غبطة وتحررا وانطلاقا نحو أفق مفتوح، لكن الكتابة لم تمنحني اللذة فقط بل أمارسها بألم عميق. أستجدي الكلمات بأنفاس لاهثة لأفك عني العزلة. باحثة عن دائرة ضوء تخرجني للعالم فاعلة ومنتجة. أرسم هويتي وخصوصيتي. ألتحم بالآخر كما ألتحم بذاتي. ألتحم بالحياة والناس فأنصهر معهما. أحاول فهم العالم من حولي وفك رموزه وتفكيك ذاكرته الذكورية لأرد الاعتبار لجنسي الأنثوي كإنسان يحب الحياة ويشارك في البناء المجتمعي عن طريق الحوار مع الذات ومع الآخر لإبداع خطاب أدبي يحمل خصوصيته بعيدا عن المقولات المقيدة بالإرث التاريخي. وجدتني أركض حافية القدمين على أرض الكتابة. عارية إلا من ثوبها. بحثا عن المغامرة لأعيش شغبها بافتتان وأنغمس فيها حد الذوبان. فعل الكتابة فعل وجود لأنه يتجاوز سلطة المجتمع والأسر التقليدي. أستجيب لانفلات الذات المبدعة من قبضة الذات التقليدية. فرحة فرحا عميقا بالتعالي عن صغائر الأمور. تاركة ورائي بشاعة العالم. متجاوزة النفوس المريضة. أغمض عيني وأفتحهما على عالم جديد بإحساس صوفي. أعيش معه انتشاء وجدانيا وامتلاء تسمو به النفس. فعل الكتابة فعل تطهير، يمنح المصالحة مع الذات ويمدنا بحصانة الاختلاف والتميز. مؤكدة على أن اكتشاف الكتابة بوصفها علاجا، جعلها تحفر عميقا في أناها ورتكب مغامرة فضح الأنا. معترفة تبعاً لهذا السياق أن بعض النصوص القصصية يمثل جزءا منها كما هي جزء من الآخر. ذلك أنها تروم الغوص في إخفاقاتها وخيباتها اللتين راكمتهما منذ الطفولة. فالكتابة ساهمت إلى حد كبير في إعادة بناء تركيبتها النفسية لمواجهة انكساراتها وتدوينها على بياض الصفحات وتجاوزها إلى القدرة على فهم وإدراك إخفاقات واقعها وتخطيه بفتح آفاق جديدة للاستمرار والتحدي. لتنتقل بعد ذلك للحديث عن تجربتها مع رواية "عندما يبكي الرجال" باعتبارها تجربة عمَّقت إحساسها بجدوى الكتابة؛ إذ كاشفت الجمهور الأدبي عن حالة الاكتئاب الحاد الذي كانت تعيشه، وكيف كانت تنظر إلى الحياة من خلف الزجاج. -تضيف مليح-"أخذت لبعض الوقت مضادات الاكتئاب التي نصحني بها الطبيب المعالج ثم تركتها ورائي وانغمست في كتابة فصول الرواية مدة شهور، لا أنكر أنني استثمرت تجربة المرض في تأثيت الرواية وحكيت عن تفاصيل مرضي كما عشتها وشعرتها. وبتوغلي في الكتابة أتوغل في نفسي المضطربة. أمسك مواطن ضعفها واختلال خلجاتها. أدمنت الحرف وسكنت محرابه. ولم أخرج منه إلا بعد أن اكتمل البناء الروائي وتجشأت سوادا على بياض أعاد إلى عروقي دماء الحياة وأحسستني أستنشق الهواء برئتين صافيتين".